ما
معنى قول الوحي : " الحرف يقتل " ؟!
هل كلمات الكتاب المقدس الحرفية تقتل ؟
جون
يونان
من أكثر العبارات الكتابية استهلاكاً لدى بعض الاحباء "المسيحيين" هي
عبارة مقتطعة من سياقها تقول : "لأن الحرف يقتل" (2 كو 3: 6).
اذ حين يعترضون على كل تفسير لا يناسبهم يعرضونها عالياً : "الحرف يقتل
" !!
كلما حاورتهم لاهوتياً ، وقدمت لهم نصوصاً كتابية تثبت ايمانك ، عاجلوك بها :
" لأن الحرف يقتل " !
ويقصدون مفسرين عبارة " الحرف " بأنها تعني كلمات الكتاب المقدس واياته !!
وكأن كلمات وآيات الكتاب لا تعني شيئاً سوى ما يوافق المعترض ومعتقده .. !
* لنعرض معنى الآية السليم !
ما معنى النص "الحرف يقتل" ؟
ببساطة ، لكي نفهم نصاً علينا بقراءته
جيداً مع القرينة ، ما يسبقه وما يلحقه ، اضافة الى الاطار العام للسفر ككل.
فقرينة هذا النص تجعلنا نفهم معناه وهي الاية السابقة عدد 5 التي تقول :
"ليس أننا كفاة من أنفسنا إن نفتكر شيئاً كأنه من أنفسنا بل كفايتنا من الله
جعلنا كفاة لأن نكون خدام عهد جديد
لا الحرف بل الروح. لأن الحرف يقتل ولكن الروح
يحيي.
ثُمَّ إِنْ كَانَتْ خِدْمَةُ الْمَوْتِ، الْمَنْقُوشَةُ بِأَحْرُفٍ فِي حِجَارَةٍ، قَدْ حَصَلَتْ فِي مَجْدٍ، حَتَّى لَمْ
يَقْدِرْ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى وَجْهِ مُوسَى لِسَبَبِ مَجْدِ
وَجْهِهِ الزَّائِلِ، فَكَيْفَ لاَ تَكُونُ بِالأَوْلَى خِدْمَةُ الرُّوحِ فِي مَجْدٍ؟
لأَنَّهُ إِنْ كَانَتْ خِدْمَةُ
الدَّيْنُونَةِ مَجْدًا، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا تَزِيدُ خِدْمَةُ الْبِرِّ
فِي مَجْدٍ". ( 2 كورنثوس 3).
فبولس يتحدث عن "خدمة الناموس" ! التي هي خدمة موت.. والتي تحدث بأنها منقوشة في
حجارة على يد موسى .. فهذا "الحرف" اي الناموسي هو الذي يقتل لأنه كان
خدمة موت ..
ويفسره في رسالة رومية :
"لما جاءت الوصية (الناموس) عاشت
الخطية فمت أنا" (رومية 7: 9).
وهذا كله بالمقارنة مع " العهد الجديد" أي خدمة الانجيل الذي هو البر
والحياة.
فبولس لم يكن يقصد ان التمسك بألفاظ
واقوال الكتاب الحرفي هو خطأ قاتل!
انما كان يقارن بين ( عهدين ) ! عهد حرفي يجعل من الذي
لا يطبقه بالعمل يموت ، وبين عهد روحي ، كتبت فيه الوصايا في قلوب المؤمنين الذين
يسيرون بالروح.
فلا يجوز استخدام تلك الاية لنسف ايات
الكتاب المقدس بأنها لا تعني ما تقوله .
والا لناقض بولس نفسه ، اذ هو نفسه استخدم
"الحرف" لاثبات ما يؤمن به !
نعم ..
* المفاجأة !!
ان بولس الرسول نفسه قائل هذه العبارة بأن الحرف يقتل قد بنى "عقيدة"
على كلام حرفي اقتبسه من العهد القديم ،
مستنداً على " كلمة " حرفية ..
كلمة !!
وحرفية !!
لنقرأ معاً :
"
وَأَمَّا الْمَوَاعِيدُ فَقِيلَتْ فِي إِبْرَاهِيمَ وَفِي نَسْلِهِ. لاَ يَقُولُ:«وَفِي الأَنْسَالِ» كَأَنَّهُ عَنْ
كَثِيرِينَ، بَلْ كَأَنَّهُ عَنْ وَاحِدٍ:«وَفِي
نَسْلِكَ» الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ.
" ( غلاطية 16:3).
كلمة " نسله " .. اخذها
حرفياً وفسرها " لا يقول وفي الانسال .. " بل وفي نسلك.
هل تقبلون ان يعارضه يهودي
ويقول له : يا بولس لا تأخذ الكتاب حرفي بل روحي !
بل قال ان وحي الروح القدس اليه هو اقوال تعليميه وليس
مجرد افكار .. انما اقوال حرفية :
" لاَ
بِأَقْوَال
تُعَلِّمُهَا حِكْمَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ، بَلْ بِمَا يُعَلِّمُهُ الرُّوحُ
الْقُدُسُ، قَارِنِينَ
الرُّوحِيَّاتِ بِالرُّوحِيَّاتِ " (1كورنثوس 2: 13).
وقد اخبرنا عن فضل اليهود ما هو .. فبدأ بأولاً وهو انهم احتفظوا بأمانة " بأقوال " الله
الموحى بها واسفاره القانونية :
" أَمَّا أَوَّلاً فَلأَنَّهُمُ اسْتُؤْمِنُوا عَلَى أَقْوَالِ اللهِ " (رومية 3: 2).
وليس على افكار الله ..
انما على اقوال حرفية .
وقال قبله استفانوس الشهيد عن موسى إنه " الَّذِي قَبِلَ أَقْوَالاً حَيَّةً لِيُعْطِيَنَا إِيَّاهَا " (أعمال 7:
38).
موسى قبل وحياً قولياً حرفياً ..
وداود النبي يقول " رُوحُ الرَّبِّ تَكَلَّمَ بِي وَكَلِمَتُهُ عَلَى لِسَانِي (2صم23: 2). وكلمته حرفياً وليس مجرد افكار
الهامية روحية !!
فالحروف
اللفظية في الكتاب المقدس شديدة الضرورة للتعبير عن فكر الرب .. وقد اختارها الروح
القدس بعناية فائقة .. وقد ارشد الروح أواني الوحي وقادهم مستخدماً مواهبهم وبحثهم
ودراستهم ومعارفهم ايضاً لسرد كلمة الوحي وعصمهم فيها .
*
عقيدة المجيئان للمسيا .. بكلمة حرفية !!
فكلمة واحدة بنى عليها الرسول بولس اثباتاً على حقيقة مجيء المسيح ثانية من اسفار
العهد القديم !!
نعم كلمة واحدة ..
فلنقرأ براعة بولس في استخدام كلمات الكتاب المقدس الحرفية ، إذ اقتبس الرسول من نبوة حجي 2: 6 ويقول :
" الَّذِي صَوْتُهُ زَعْزَعَ
الأَرْضَ حِينَئِذٍ، وَأَمَّا الآنَ
فَقَدْ وَعَدَ قَائِلاً: إِنِّي مَرَّةً أَيْضًا أُزَلْزِلُ لاَ الأَرْضَ فَقَطْ بَلِ
السَّمَاءَ أَيْضًا
فَقَوْلُهُ
«مَرَّةً أَيْضًا» يَدُلُّ عَلَى تَغْيِيرِ الأَشْيَاءِ
الْمُتَزَعْزِعَةِ كَمَصْنُوعَةٍ، لِكَيْ تَبْقَى الَّتِي لاَ تَتَزَعْزَعُ "
(عب12: 26،27).
لقد ارشد الروح القدس بولس الى كلمة واحدة فقط في نبوة حجي وهي " مرة ايضاً
" ، لكي يبني عليها التعليم المسيحي بأن للمسيح مجيئان !!
ومن هذه الاية تعلمنا من بولس نصاً كتابياً من اسفار العهد القديم عن مجيئين
للمسيح ، وهكذا يمكننا تبشير اليهود به !
* المسيح يبني تعليمه على حرف الكتاب المقدس !
مثالنا الاعظم هو الرب يسوع المسيح ..
فهل كان يقتبس من كلمة الله في العهد القديم حرفياً ..؟!
نعم ..
وكان يبني على الفاظ الكتاب الحرفية تعليمه ..
بل انه استخدم حرفية " زمن الفعل " كدليل يواجه به شيعة الصدوقيين الذين ينكرون
الحياة بعد الموت !!
اذ اثبت لهم من الكتاب حقيقة القيامة مستنداً على عبارة حرفية وهي قول الله لموسى
:
" أنا إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ "
لقد شدد الرب يسوع على زمن الفعل " أنا اله " .. وليس : انا كنت اله
ابراهيم ..
ومنه خرج لنا بدليل قاطع بأن اولئك الاباء
هم أحياء عند الرب !! (متى22: 31-33).
وصار فعله نهجاً نجيب به على جماعة شهود يهوه الذين ينكرون بقاء الروح بعد الموت .
واستخدم الرب يسوع ذات الاسلوب ، معتمداً على قول الله في العهد القديم ناسباً
اياه لشخصه الكريم حين اعلن لليهود الوهيته :
" قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ " (يوحنا
8: 58).
وليس انا كنت !!
كلامه الحرفي يحدد المعنى ويثبت الوهيته .
فهل يجرؤ أحد ان يقول: كائن مثل كنت لأن " الحرف يقتل " (؟؟)
* حرف
الياء مطب عسير !
بل ان المسيح قد اربك اليهود وافقدهم صوابهم واسكتهم بحرف واحد فقط من الكتاب !!
نعم .. حرف واحد ..
هو حرف " الياء " .. (يا) الملكية .. جعلت الفريسيين يصمتون ..
فحين سألهم :
" مَاذَا تَظُنُّونَ فِي الْمَسِيحِ؟
ابْنُ مَنْ هُوَ؟» قَالُوا لَهُ: «ابْنُ دَاوُدَ».
قَالَ لَهُمْ: «فَكَيْفَ يَدْعُوهُ
دَاوُدُ بِالرُّوحِ رَبًّا؟ قَائِلاً:
قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِيني حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ
مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ.
فَإِنْ كَانَ دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبًّا، فَكَيْفَ يَكُونُ ابْنَهُ؟» " (متى
22: 43- 45).
فكلمة " ربـي " الحرفية في المزمور ( 110) وما تحمله من ياء الملكية ، استخدمه الرب كدليل
لاهوته كابن داود بالناسوت وربه باللاهوت !!
وكذلك استخدم كلمة حرفية اخرى وهي " آلهة " !
" أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: أَلَيْسَ مَكْتُوبًا فِي نَامُوسِكُمْ: أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ؟
إِنْ قَالَ آلِهَةٌ لأُولئِكَ
الَّذِينَ صَارَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللهِ، وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ
الْمَكْتُوبُ
فَالَّذِي
قَدَّسَهُ الآبُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى الْعَالَمِ، أَتَقُولُونَ لَهُ: إِنَّكَ
تُجَدِّفُ، لأَنِّي قُلْتُ: إِنِّي ابْنُ اللهِ؟" (يوحنا 10: 34،35).
لقد استعان الرب يسوع بكلمة حرفية واردة في المزمور ليثبت خطأهم في رفض تصريحه عن
نفسه واعلان لاهوته .
فهل من يتقدم ليزعم بأن "الحرف يقتل " ..؟ هل كان المسيح يقتلهم حين
استدل بكلمات من كلمة الله..
بل بحروف !!؟؟
وليس فقط حروف .. بل حتى "النقاط " !!!
قال المسيح :
" فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ
لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى
يَكُونَ الْكُلُّ " (متى5: 18).
لا يزول حرف او نقطة .. هل يتقدم أحد ليجيبه : لا يا رب الحرف يقتل .. اذن النقطة
تذبح (؟!)
نستخلص
:
بأن آية "الحرف يقتل" ، وللأسف تستخدم عند البعض بطريقة استهلاكية ..
وكقفاز يلقى في وجه كل محاور في اللاهوتيات .. واظهاره بمظهر الانسان
"الحرفي" المنغلق الفكر ، الذي لم يبلغ بعد الى ابداع الطيران في فلك
الروحيات (!!)
في حين ان تفسير الكتاب المقدس " حرفياً
" هو تعليم كتابي من داخل الكتاب نفسه ، استخدمه الرب يسوع ورسله .
وهذا لا يعني رفض التفسير الروحي .. فكل نص له ظروفه ، وسياقه ، ويفسر على ضوء
قراءنه . فالتفسير الروحي ايضاً مبني على كلمات كتبت " حرفياً " .
مجداً للرب ابدياً لا ينقطع
جون يونان